الإخوان المسلمون في أفغانستان في عهد البنا.. السوفيت.. طالبان.. الأمريكان
الأحد 11/مايو/2014 - 09:23 م
طباعة
- البدايات:
- الإخوان من الحرب ضد السوفيت حتي سقوط طالبان
- أهداف الجمعية
- أعضاء مكتب إرشاد الإخوان في أفغانستان
- المؤسسون
البدايات:
يعتقد البعض أن وجود الإخوان في أفغانستان عائد إلى بداية مقاومة احتلال الاتحاد السوفيتي للإقليم، وإطلاق دعوات الجهاد إليها؛ ليشارك الآلاف من العرب بجوار الأفغان للتحرير من السوفيت، غير أن هذا الاعتقاد رغم شيوعه، فهناك حقيقة تاريخية مغايرة، وراء الوجود الإخواني الأول بأفغانستان.
كانت أفغانستان ضمن الدول الواقعة تحت سيطرة الإمبراطورية البريطانية في الأربعينيات، وقد عانت من وطأة الاحتلال كغيرها من بلاد المسلمين المحتلة؛ لتمثل ملعبًا جديدًا لجماعة الإخوان بقيادة حسن البنا، والتسلل إليها بحجة المساندة في التحرير، وبالفعل ناشدوا المجتمع الدولي والحكومات الإسلامية بمساندة الشعب الأفغاني لينال حريته.
حسن البنا
اهتم الإخوان بأخبار أفغانستان التي كانت تحت حكم الشاه الموالي للغرب وقتها على حساب شعبه، وكتب البنا عن هذه البلاد، كما أفرد الإخوان في المؤتمرات جانبًا لشعبها المجاهد، ويأتي هذا الاهتمام ضمن المنظومة التي وضعها مؤسسها في علاقة الإخوان بالعالم الإسلامي، فنجد أن لائحة قسم الاتصال بالعالم الإسلامي والبلاد العربية عام 1944م ضمت في المادة 3 منها: تنشأ في القسم لجان مختلفة، ويراعى في تكوينها الظروف الخاصة، والأوضاع القائمة بهذه الأقطار، والمراد من ذلك إيثار الناحية العملية الواقعية.
وقد قسمت المنظومة إلى ثلاث لجان: لجنة الشرق الأدنى، وتضم البلاد العربية وباقي الشعوب الإسلامية في إفريقيا، أي البلاد العربية وتركيا وإيران، ولجنة الشرق الأقصى وتضم: (أفغانستان- تركستان- الصين- الهند- الهند الصينية- جاوه- اليابان)، ثم لجنة الإسلام في أوروبا.
وكان حسن البنا متابعًا لأحوال أفغانستان، ودائم الهجوم على الشاه قائلًا: "إيران والأفغان حكومات مضطربة، تتوزعها الأطماع من كل مكان، فهي تحت كنف هذه الأمة تارة، وإلى جانب تلك تارةً أخرى.
صادق المجددي
وكان الإخوان يحتفون بكل زائرٍ من الدول الإسلامية، ففي دار الفنون التطبيقية العليا احتفلت الجوالة بمناسبة ارتقاء الملك للعرش، وقد حضر هذا الاحتفال السيد محمد صادق المجددي وزير الأفغان، وتوفيق سعيد رئيس اللجنة التنفيذية لمؤتمر شباب العرب، كما حضره المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد.
وعندما أقام المركز العام للإخوان مؤتمرًا إسلاميًا جامعًا في مدينة الإسماعيلية، بمناسبة مرور 20 عامًا على تأسيس أول شُعبةٍ بها، يوم الخميس 6 ذو القعدة 1367هـ الموافق 9 سبتمبر 1948م، وكان ضمن من وجه له الدعوة السيد هارون المجددي مندوب الهيئة العربية عن أفغانستان.
واستمرت علاقة الإخوان بالأفغان رغم حظرها في مصر، ولكن مع تأسيس الجمهورية وسعي عبد الناصر للتواصل مع الدول العربية والإسلامية- بدأ العديد من الطلاب الأفغان يأتون إلى مصر للدراسة فيها، وخاصة بجامعة الأزهر، وكان من ضمن هؤلاء الطلاب الذين لعبوا لاحقًا دورًا قياديًّا في الجهاد ضد السوفيت، في 1980م أمثال عبد رب الرسول سياف، وبرهان الدين رباني.
واستطاع الإخوان جذب العديد من الطلاب الأفغان إليهم، وفي مقدمتهم برهان الدين رباني، وعقب عودته إلى بلاده زاد نشاطه بين الطلاب هناك، حيث استطاعوا أن ينشروا فكر وفهم الإخوان المسلمين وسط الطلبة، حتى إن حكومة داود خان وضعت هؤلاء الطلبة تحت المراقبة.
حفيظ الله
ومع بداية الجهاد في أفغانستان، نتيجة الانقلابات والاغتيالات السياسية، حتى سيطرة السوفييت على مقاليد البلاد، ما أدى إلى اشتعال المعارضة المسلحة ضد حكم الرئيس الأفغاني" حفيظ الله"، الذي نصبه الاتحاد السوفيتي رئيسًا للبلاد، فساعد على أعمال القمع والاعتقالات والتعذيب والاغتيالات، ضد المعارضين وأبناء الشعب الأفغاني، وقوبل ذلك كله بثورة عارمة، تمت مواجهتها بوحشية شديدة من نظام حفيظ الله الشيوعي، الذي سجن عشرات الآلاف، وأعدم الكثيرين، وفي الوقت ذاته زادت نسبة الهروب من الجيش الأفغاني والانضمام إلى الثوار، عند هذا الحد قرَّرت موسكو أن تتدخل بنفسها، وبدأ مع منتصف يوم 25 ديسمبر 1979م نقل طلائع القوات السوفييتية إلى أفغانستان.
غير أن مجاهدي أفغانستان على رأسهم قادة جماعة الإخوان أمثال عبد رب الرسول سياف وغيره، أعلنوا عن قيام جبهة موحَّدة للجهاد ضد الروس تحت اسم "الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان" برئاسة "سياف" في 3 مايو 1982م.
الإخوان من الحرب ضد السوفيت حتي سقوط طالبان
كمال السنانيري
مع بدء دعوات الجهاد في الدول العربية ومصر، لاقت هذه الدعوى صدىً كبيرًا وخاصة بين جماعة الإخوان، للتضامن مع إخوانهم في أفغانستان، فنددوا باحتلال الاتحاد السوفيتي، وأرسلوا الوحدات الطبية والمجاهدين أمثال الشهيد كمال السنانيري وعبد المنعم أبو الفتوح وغيرهما، وأسهموا في صناعة الأحداث، حتى إعلان الاتحاد السوفيتي انسحاب جميع قواته بشكل رسمي من أفغانستان في 15 فبراير 1989م، فقد كان الإخوان المورَد الأكبر للمقاتلين في أفغانستان وحربهم ضد السوفييت، وينظر مسئولون أمريكيون لجماعة الإخوان المسلمين، بأنها السلاح السري في حرب الظل ضد الاتحاد السوفيتي وأنصارهم العرب، وفقًا لروبرت باير، ضابط الـ CIA المتقاعد، والمسئول عن أمور الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، خلال حياته المهنية عبر 21 سنة كجاسوس، في كتابه "النوم مع الشيطان"، الذي فسر خلاله كيف يمكن للولايات المتحدة صنع قضية مشتركة مع الإخوان، واستخدامهم للقيام بأعمال قذرة في اليمن وأفغانستان، والكثير من الأماكن الأخرى.
"القاعدة" صناعة اخوانية
حامد ابو النصر
وكان حامد أبو النصر، المرشد العام للإخوان في مصر، قد أرسل زوج شقيقة سيد قطب (كمال السنانيري) إلى باكستان، لتقييم وضع الجهاد الأفغاني وإمكانية المشاركة فيه، وفي أثناء عودته إلى مصر عرج على السعودية لأداء الحج، حيث التقى عبد الله عزام وأبلغه عن الوضع في أفغانستان، واتفقا على أن يذهبا إلى باكستان سويا، لكن القدر لم يمهل (السنانيري) الذي تُوفي في المعتقل، فسافر عزام إلى باكستان، وأخذ على عاتقه تصدير الجهاديين لأفغانستان أواخر 1981، وبذلك كانت أول مشاركة سعودية في أفغانستان من خلال الإخوان المسلمين، الذين كانوا آنذاك لهم نفوذهم في المدينة المنورة تحديدا، التي بدأت منها التعبئة للجهاد في أفغانستان للمرة الأولى، فكانوا من جمعية الهلال الأحمر، ومن اللجنة السعودية للإغاثة عام 1980، وفي 1982 كتب عبدالله عزام مقالته الأولى عن الجهاد الأفغاني، ولاقت صدًى واسعًا ليس فقط في السعودية، بل في العالم العربي كافة؛ وذلك لاعتمادها على سببين: الأول الحديث عن كرامات الشهداء، والثاني فتاوى الجهاد بأفغانستان.
كما كان للجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة الأطباء المصرية، دورٌ في ارتفاع شعبية الإخوان في أفغانستان، وكان في مقدمتهم عبد المنعم أبو الفتوح، الذي سافر إلى هناك على رأس هذه اللجنة، بالإضافة إلى إسهامهم في تدريب المقاتلين الأفغان والعرب، وتزويدهم بالسلاح والأدوية والسلع الغذائية.
كذلك سافر القيادي السابق الدكتور كمال الهلباوي إلى باكستان، ومن ثم إلى أفغانستان عام 1988 ومعه عدد من الإخوان، بتكليف من حامد أبي النصر مرشد الجماعة وقتها، لمساعدة الأفغان والإشراف على الأداء الإخواني، والإسهام في معهد الدراسات السياسية، وكان مع الهلباوي عدد كبير من الإخوان منهم أطباء فى المستشفى ومعلمون، ومكث 6 سنوات بين أفغانستان وباكستان.
عبدالله عزام
وتعد الكتائب التي أسسها الإخواني عبد الله عزام، المتوفى عام 1989، رافدًا مهمًّا لعمليات الجهاد بأفغانستان، وعزام صاحب مشروع "الخدمات الجهادية" ضد الاتحاد السوفيتي أواخر عقد الثمانينيات من القرن الماضي.
وجاء في مجلة الدعوة بعددها الخامس والأربعين، مقال تحث فيه المسلمين على التصدي للغزو السوفيتي تحت عنوان "يا حكام المسلمين أفغانستان ليست الأولى ولن تكون الأخيرة".
كما كتب عبد المنعم سليم جبارة في العدد السابع والأربعين من المجلة ذاتها، تحت عنوان (الطريق إلى أفغانستان)، حيث حذر من المعاهدات ونبه إلى أن التحالف مع موسكو وواشنطن يعني تحقيق مصالح الاستعمار على حساب الشعوب، وفي العدد الثالث والأربعين كتب تحت عنوان "مسلمو أفغانستان بين صمت حكام المسلمين وحرب الإبادة الروسية"
كذلك أجرى الإخوان أكثر من مرات عدة حوارات مع قادة مجاهدي أفغانستان، ليوضحوا للرأي العالمي حقيقة ما تقوم به موسكو تجاه الشعب الأفغاني الأعزل، كما ناشدوا العالم بالاعتراف الفوري بحكومة المجاهدين الأفغان بعد انسحاب القوات الروسية منها، وأرسل المرشد العام للإخوان محمد حامد أبو النصر رسالة إلى الرئيس السوفيتي جوربتشوف جاء فيها: وقرار الانسحاب من أفغانستان، وإن كان قد حاز نصيبه من التقدير، إلا أنه لكي يحوز كل تقدير المسلمين، يجب أن يتسع ويمتد ليشمل انسحاب كل الجنود وكل الوجود السوفيتي.
إخوان أفغانستان
قلب الدين حكمتيار
وفيما يتعلق بالإخوان من أصل أفغاني، فقد كان هناك قادة أفغان في جبهات القتال من الإخوان، وفي مقدمتهم "قلب الدين حكمتيار" قائد الحزب الإسلامي الأفغاني، وقد أسسه عام 1973م، وهو حزب سياسي عسكري ينتمي إلى أقوام البشتون، والاتحاد الإسلامي للمجاهدين الأفغان، بقيادة عبد رب الرسول سياف، الذي تلقى تعليمه في الأزهر الشريف، وعمل أستاذًا بجامعة كابُل، وسُجن في عهد داود خان، واشترك هذا الاتحاد في المقاومة 14 عاماً، وينتمي كذلك إلى البشتون.
وعبد رب الرسول سياف أحد رموز الجهاد الأفغاني، انضم لجماعة الإخوان خلال دراسته بالقاهرة، والتي جاء إليها عام 1971، وحصل على درجة الماجستير بقسم الحديث من جماعة الأزهر، ليوحد التنظيمات والحركات المقاتلة تحت اسم "الاتحاد الإسلامي" عام 1983.
وانضم سياف إلى الحركة الإسلامية مبكرًا، وتعرف إلى فكر جماعة الإخوان، ثم صار بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان من ألمع قادة المجاهدين وأشهرهم، خاصة في العالم العربي؛ لما تمتع به من طلاقة اللسان في اللغة العربية، واحتفظ بتنظيم الاتحاد الإسلامي بعد أن كان هذا الاسم يشمل جميع تنظيمات الجهاد التي دخلت في اتحاد عام 1983، ثم ما لبث أن انفض ليخلفه بعد ذلك اتحاد آخر، لكنه ظل هشًّا إلى أن دخل المجاهدون كابل بعد سقوط الحكومة الشيوعية عام 1992.
برهان الدين رباني
شارك سياف مرغمًا في الحرب الأهلية بعد دخول المجاهدين، حيث اضطر- ولعدة سنوات- لخوض معارك مع حزب "وحدت" الشيعي، خاصة في غرب العاصمة كابل، ثم انضم إلى صفوف تحالف الشمال عندما سيطرت حركة طالبان على أغلب مناطق أفغانستان.
ومن قادة إخوان أفغانستان أيضًا "برهان الدين رباني"، الذي وُلد في مدينة "فيض آباد" مركز ولاية بدخشان، وينتمي إلى قبيلة ذات عرقية طاجيكية سُنية، والتحق بمدرسة أبي حنيفة بكابُل، وبعد تخرجه انضم إلى جامعة "كابُل" في كلية الشريعة عام 1960م، وتخرج فيها عام 1963م، وعُيِّن مدرسًا عام 1966، ثم التحق بجامعة الأزهر وحصل على درجة الماجستير في الفلسفة الإسلامية، وعاد إلى جامعة كابُل ليدرس الشريعة الإسلامية، واختارته الجمعية الإسلامية ليكون رئيسًا لها عام 1972، وفي عام 1974 حاولت الشرطة الأفغانية اعتقاله من داخل الحرم الجامعي، لكنه نجح في الهروب إلى الريف بمساعدة الطلبة.
ومنذ الغزو السوفيتي لأفغانستان في 1979، وبرهان الدين رباني مشارك في أعمال المقاومة المسلحة ضد السوفيت، والتي كانت مدعومة من وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA"، وعُرفت إعلاميًّا بـ"الجهاد الأفغاني"، وكانت قواته أول القوات التي تدخل كابُل بعد هزيمة الحزب الشيوعي فيها، هذا وقد شغل "رباني" منصب رئيس المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان، حتى اغتيل في تفجير في كابُل 20 سبتمبر 2011.
إخوان أفغانستان وحركة طالبان
عبد رب الرسول سياف
وقف عبد رب الرسول سياف في الحروب الأهلية والمعارك ضد طالبان مع قوات أحمد شاه مسعود، ودخل في التحالف الشمالي باسم الجبهة الإسلامية المتحدة مع رشيد دوستم والأحزاب والميليشيات الشيعية والجمعية الإسلامية، ولم تتعاون جماعة الإخوان مع طالبان المحسوبة على التيار السلفي، والتي سيطرت على مقاليد الأمور في أفغانستان خلال عام 1996، وعملت الجماعة على إسقاط طالبان، وجاءت لها الفرصة في إعلان أمريكا الحرب على أفغانستان.
فقد صرح "سياف"، عقب إعلان أمريكا الحرب على حكومة طالبان قائلًا: إن حكومة طالبان فُرِضت على هذا الشعب رغم أنفه وخلاف إرادته، فلماذا يعذَّب الشعب بسبب طالبان؟"
ويرى "سياف" أن حركة طالبان هي من بدأت القتال ضد قواته، دون أي مبرر شرعي، رغم أنهم كانوا مجاهدين تحت إمرة سياف وجماعته، كما اتهم طالبان السلفية بالجهل بالشرع وتعاليم الدين، وأن السبب الرئيسي للحرب ضد جماعته هو قلة وعيهم بالسياسة وبما يدور في الدنيا.
وبعد سقوط طالبان عاد سياف إلى منطقته بغمان قرب كابل، وظل يشارك بفعالية في الحراك السياسي الأفغاني، وكان له دور في تذليل الخلافات بين الفرقاء في اجتماعات "اللوياجرغا" التي انبثق عنها الدستور الأفغاني في بداية عام 2004.
فيما تعتبر حركة طالبان جماعة الإخوان من أعدائها، فقد قال الملا قارئ يوسف أحمدي، المتحدث الرسمي باسم طالبان، إن عبد رب الرسول سياف، لا يمثل الحركة الأصولية، بل هو من خندق الأعداء.
وعقب سقوط حكومة طالبان تمكنت قيادات الإخوان في أفغانستان من فرض تنظيم الجماعة قوته بالساحة الأفغانية، الأمر الذي أعطى لهم ثقلًا عقب غزو الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان في 2001، حيث دعم الإخوان الولايات المتحدة في مواجهة طالبان، كما استطاعوا أن يكون لهم دور مؤثر عقب سقوط طالبان، حتى أصبح لهم أعضاء في أول برلمان "اللوياجرغا" عام 2004.
وتتمتع جماعة الإخوان الآن بثقل في الملعب السياسي الأفغاني عبر أنشطة اجتماعية وثقافية، وتم تسجيل الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية التي في سجلات وزارة العدل، ولديها فروع في أكثر من 34 ولاية في أفغانستان، ومقرها الآن منطقة تيمني، بالعاصمة كابُل.
تأسيس المركز الثقافي الأفغاني في "بيشاور"
كمال الهلباوي
تم إنشاء المركز الثقافي في "بيشاور"، بعد وفود عدد كبير ممن ينتمون لجماعة الإخوان من أقطار عربية وبلدان مختلفة، ليختلطوا بالأفغان والباكستانيين، وتبرز فكرة إنشاء مركز يجمع تحت مظلته إسلاميين من جميع التيارات، بدعم من الشباب الأفغاني المجاهد ضد الاحتلال السوفيتي.
كان المركز يقدم خدمات دعوية في مخيمات اللاجئين، وينظم دورات تدريبية للغتين العربية والإنجليزية، واختلط الشباب الأفغاني في تلك الفترة بقيادات إخوانية في بيشاور، وفي مقدمتهم الدكتور كمال الهلباوي، مسئول إخوان الغرب الأسبق، حتى تأثر الإسلاميون الأفغان في بيشاور بقيادات إخوانية هناك، خلال سنوات القتال ضد الروس، وكانت أنشطة المركز الثقافي الأفغاني تتركز في مساعدة الطلبة الأفغان في الجامعات الباكستانية، وإقامة ندوات فكرية وعلمية وترجمة أمهات الكتب الإسلامية، لا سيما كتب "الإخوان" ومؤلفات شيوخهم إلى اللغات المحلية، مثل: "في ظلال القرآن" و"العدالة الاجتماعية في الإسلام" لسيد قطب، وعندما اندلعت الحرب الأهلية بين المجاهدين، نأى "إخوان أفغانستان"، بأنفسهم عن التورط في تلك الحرب.
وعندما ظهرت طالبان عام 1996، ابتعدوا عن فكرها، ولم يتورطوا في مشكلاتها مع الأحزاب الجهادية، وبعد الإطاحة بحكم طالبان نهاية عام 2001، عقب الهجوم الأمريكي على أفغانستان، بسبب هجمات سبتمبر دخلت مجموعة المركز الثقافي الأفغاني إلى كابُل، مثل عشرات الجمعيات الأفغانية والكتل التي كانت تعمل في الخارج، فأسست "جمعية الإصلاح" عام 2001، وصارت لها فروع في الولايات الأفغانية الرئيسية، مثل هراة وننجرهار، والمركز الرئيس للجمعية في العاصمة كابُل.
الإخوان في عهد كرزاي
كرزاي
ظهرت جماعة الإخوان خلال حكم الرئيس الأفغاني المنتهية ولايته "حامد كرزاي"، عقب سقوط طالبان، معتبرين فكر الإخوان البديل الحقيقي للمشروع الجهادي، فبدءوا يتقربون إلى السلطة الجديدة، من خلال المشروعات التي تقيمها جميعة الإصلاح التي أسستها للانتشار في ربوع أفغانستان، وكسبت مزيدا من المؤيدين لها، على مختلف توجهاتهم وطبقاتهم من القرى الأكثر فقرًا، إلى الأحياء الأكثر تقدمًا ورقيًّا.
تأسيس الجمعية الأفغانية للإصلاح "جمعية الإخوان"
اجتمع 30 قياديًا إخوانيًا في كابل، لإنشاء كيان يشارك بقوة في الحياة السياسية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية، وهي الخريطة ذاتها التي تعمل بها الجماعة الأم من حيث الانتشار بين طبقات المجتمع المختلفة، واتفق الحضور على تأسيس جمعية جديدة باسم (الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية- الإخوان المسلمون)، حيث كانت امتدادًا طبيعيًّا للمركز الثقافي الإسلامي الأفغاني في بشاور، والذي تأسس عام 1991، ثم اختير للجمعية الأفغانية للإصلاح مؤسسون وهيئة إدارية مؤقتة، عقدت اجتماعها الأول في يونيه 2002، وأُقر فيه القانون الأساسي للجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية، وقد كُلّف السيد نويدي بتقديمه إلى الجهات المختصة.
سُجِّلت الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية في سجلات وزارة العدل الأفغانية، ولديها فروع في أكثر من 34 ولاية في أفغانستان، ومقرها الآن منطقة تيمني بالعاصمة كابُل، الواقعة بالقرب من حي شهران والذي كان يقطنه الأفغان العرب في زمن طالبان وأيام الجهاد ضد الروس، وهو حي راق يزدحم اليوم بالمولات الحديثة ذات الواجهات الزجاجية الزرقاء، والفنادق الفاخرة والبنوك التجارية الخاصة.
كما أسست الجمعية أكثر من 10 مدارس عصرية في محافظات وولايات مختلفة من أفغانستان، بالإضافة إلى إنشاء 4 معاهد لتعليم النساء، لتخريج المعلمات في مناطق مختلفة أيضًا، كما أن لديها 8 مدارس لتدريس العلوم الشرعية، وبعض المعاهد تهتم بتعليم الأطفال والصبية من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية.
ومن ضمن هذه المعاهد "معهد الإصلاح لإعداد وتأهيل المعلمات"، وتم إنشاؤه عام 2008؛ تلبية لطلب الراغبات في دراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وأيضا "ثانوية إصلاح النموذجية"، أُسست عام 2006 بمدينة جلال آباد، و"دار العلوم الإسلامية" التي تم إنشاؤها خلال عام 2008، وتقع الدار بمديرية "كامة" الواقعة بين محافظتين مهمتين في البلد وهما ننجرهار وكنر شرقي البلد، وهي متخصصة في علوم القرآن الكريم من حيث الحفظ والتجويد والقراءة بوجوهها المختلفة، وكذا مدرسة الفلاح للبنات، وتم إنشاؤها عام 2009 بمدينة جلال آباد، وتهدف إلى إعداد الكوادر القيادية في مختلف المجالات الفكرية والعلمية والمهنية، ويقوم هذا القسم بإدارة مجموعة من المؤسسات التعليمية.
وفي إطار سعي الإخوان لاكتساب المزيد من الأعضاء، والتواجد في المجتمع الأفغاني فإن هذه المعاهد والمدارس لا تفرض أي رسوم دراسية أو تفرض رسوما رمزية؛ سعيا لكسب أكبر عدد من الأعضاء ليكونوا أجيالا تؤمن بفكر جماعة الإخوان.
إمبراطورية إعلامية
يمتلك إخوان أفغانستان إمبراطورية إعلامية، حيث تأتي قناة الإصلاح التليفزيونية كأول قناة فضائية، بدعم من بعض تجار الأفغان، كما أن هناك مجلات تصدر بصفة مستمرة، وهي "إصلاح مللي" وتصدر أسبوعيا بالفارسية والبشتو، ومجلة "معرفة" وهي مجلة شهرية باللغة الفارسية، ومجلة ثالثة اسمها "جوان" بالبشتو، وهناك أيضا مجلة "بيان الإصلاح" أو "رسالة الإصلاح"، وهي نصف شهرية، ويطبع منها أكثر من 100 ألف نسخة، ويكتب فيها علماء أفغانستان، وهذه المجلة لها تأثير كبير بين عموم الأفغان، وتصل إلى كل الولايات الأفغانية.
كما يمتلكون إذاعة صوت الإصلاح، وتم تأسيسها عام 2008، وهي إذاعة ثقافية دينية دعوية تبث من العاصمة كابل، ويتابعها مئات الآلاف من الأفغان.
وتعتمد الجمعية على تبرعات رجال الأعمال، ومن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وتسعى لتكون لها اليد العليا من خلال الانتشار بأغلب محافظات ومدن أفغانستان.
أهداف الجمعية
تسعى الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية، للسيطرة فكريًّا وأدبيًّا على الشارع الأفغاني، عن طريق تشجيع أعضائها على تأليف الكتب باللغات المحلية، أو ترجمة الأدبيات "المتزنة" من اللغات العالمية المختلفة إلى اللغات المحلية، من خلال إنشاء قسم التأليف والترجمة ليكون لها دور في الثقافة الرائجة بين أبناء الشعب الأفغاني.
كما تهدف الجمعية إلى السيطرة على الأسرة الأفغانية، وبالأخص المرأة الأفغانية من خلال مشروع "العمل النسائي البديل"، والذي تعتبره الجمعية مشروعًا يواجه التغريب الذي ينتشر بين سيدات الأفغان- العمل الشبابي والاهتمام بالصغار: إن من أهم ما قامت به جمعية الإصلاح هو الاهتمام بالشباب والصغار، أو الشباب عن طريق إنشاء منظمة خاصة بهم، تهتم بإعداد برامج تربوية وتثقيفية.
كما اهتمت الجمعية بتفعيل دور الفئات المهنية المختلفة من خلال توفير المنابر لها، مثل المهندسين والأطباء، وأئمة المساجد والخطباء وغيرهم.
كذلك أسس إخوان أفغانستان "جمعية المساعدات الإنسانية"، وهي تمثل جناح الإخوان في العمل الخيري ودعم رعاية الأيتام أو تفعيل الأرامل، أو كانت تحت لافتة مساعدة الأسر الفقيرة، أو إنشاء عيادات طبية بالأحياء الفقيرة، وكل ما سبق يصب في خدمة أهداف الجمعية سياسيًّا، بما يخدمها في الخوض في الانتخابات البرلمانية أو المحلية.
أعضاء مكتب إرشاد الإخوان في أفغانستان
عبدالصبور فخري
يضم مكتب إرشاد جماعة الإخوان في أفغانستان أسماء بارزة في المجتمع الأفغاني مثل الدكتور عبد الصبور فخري، أستاذ اللغة العربية في جامعة كابُل، والحاصل على الماجستير والدكتوراه في الأدب العربي من الجامعة الإسلامية العالمية بالعاصمة إسلام آباد.
ومن الأعضاء أيضًا محمد صهیب رءوف، عضو مجلس الشورى لجمعية الإصلاح، وأمين معتصم مسئول قسم التربية والتعليم بمجلس شورى الجمعية، نصیر أحمد نویدي رئيس شورى جماعة الاخوان، محمد نعیم جلیلي عضو مجلس الشورى الجمعية، وصفت الله قانت رئیس مركز الدارسات الإستراتيجية.
وعن الدعم المالي للجمعية، فيأتي التمويل عبر فرض نسبة مئوية من مرتبات الأعضاء بدفع حق العضوية بما لا يقل عن 2% من معدل الدخل الفردي شهریًّا، بالإضافة إلى تبرعات رجال الأعمال.
دعم جمعية الإصلاح لإخوان مصر ورفضه ثورة 30 يونيه
تعد جماعة إخوان أفغانستان من أكبر الجماعات الداعمة للجماعة الأم في مصر، والرافضة لثورة 30 يونيو، فقد عقد في 29 يوليو مؤتمر كبير بأحد فنادق العاصمة الأفغانية كابُل تحت عنوان "مؤتمر التضامن الأفغاني مع الشرعية في مصر"، للتنديد بما وصفته قيادات جمعية الإصلاح الإخوانية بالانقلاب في مصر، ولدعم الرئيس الشرعي المنتخب وإعادته إلى منصبه، فقد استضافت قاعة المؤتمرات في فندق "همسفر" بالعاصمة كابُل، مؤتمرًا كبيرًا للتضامن مع الشعب المصري، تحت رعاية الجبهة الأفغانية الموحدة لمعارضة القواعد العسكرية الأجنبية في أفغانستان.
وقد حضر المؤتمر المئات من أساتذة الجامعات وطلابها والعلماء والمفكرين وعامة الناس، بحضور رئيس الوزراء الأفغاني الأسبق المهندس أحمد شاه أحمد زاي والمفكر الإسلامي الأفغاني الشهير محمد زمان.
وألقى كل من المهندس رئيس الوزراء الأفغاني الأسبق أحمد شاه أحمد زاي، والأستاذ محمد مزمان، والأستاذ وحيد مجده الكاتب والمحلل السياسي، والدكتور فضل الهادي وزين عضو مجلس شورى الإخوان بأفغانستان والعضو الأفغاني في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- كلماتهم حول الأحداث التي تشهدها مصر بعد الانقلاب العسكري وما واكبها من قتل الأبرياء، وزج قادة تيار الإسلام السياسي في السجون، وإلصاق التهم بهم.
وطالب المؤتمر بإطلاق سراح جميع المعتقلين السلميين، وعودة الرئيس المنتخب إلى مهامه، ووقف المجازر للمتظاهرين السلميين.. وحذروا من العواقب الوخيمة التي تترتب على الانقلاب العسكري وسرقة ثورة الشعب المصري وعزل رئيسه المنتخب.
كما شهدت كُبريات المدن الأفغانية مثل مدينة هرات في الغرب، ومزار شريف في الشمال وقنذر في شمال الشرق وجلال آباد في الشرق- مظاهرات وفعاليات سياسية للمطالبة بعودة الرئيس المعزول إلى منصبه حيث يحاكم الآن بتهمة التجسس وقتل المتظاهرين.
المؤسسون
سيد قطب
الدكتور عبد الصبور فخري أستاذ اللغة العربية في جامعة كابُل، الحاصل على الماجستير والدكتوراه في الأدب العربي، من الجامعة الإسلامية العالمية بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد.
وهو رئيس جمعية الإصلاح الإخوانية ومحلل سياسي قوي جدًّا وله علاقاته في الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية الأفغانية، ويتمتع بحضور قوي في عدد من الوسائل الإعلامية العربية، أو الصادرة باللغة العربية.
يحتوي مكتبه على مئات الكتب التي ألفها مشايخ "الإخوان"، المترجمة إلى الداري والبشتو، وفي مقدمتها مؤلفات القيادي الإخواني سيد قطب، العضو السابق بمكتب إرشاد الجماعة ورئيس تحرير جريدة "الإخوان المسلمون".
ومن هذه الكتب "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، و"معالم في الطريق"، و"التصوير الفني في القرآن"، وتفسير "في ظلال القرآن"، و"مشاهد القيامة في القرآن"، و"النقد الأدبي: أصوله ومناهجه"، بالإضافة إلى كتب أخرى ليوسف القرضاوي.